السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(تحديه بالعلم) وقد تحدى بالعلم والمعرفة خاصة بقوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ) النحل - 89، وقوله (ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) الانعام - 59، إلى غير ذلك من الآيات، فإن الاسلام كما يعلمه ويعرفه كل من سار في متن تعليماته من كلياته التي أعطاها القرآن وجزئياته التي أرجعها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بنحو قوله: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر - 7، وقوله تعالى: (لتحكم بين الناس بما أريك الله) النساء - 104، وغير ذلك متعرض للجليل والدقيق من المعارف الالهية (الفلسفية) والاخلاق الفاضلة والقوانين الدينية الفرعية من عبادات ومعاملات وسياسات واجتماعيات وكل ما يمسه فعل الانسان وعمله، كل ذلك على أساس الفطرة وأصل التوحيد بحيث ترجع التفاصيل إلى اصل التوحيد بالتحليل، ويرجع الاصل إلى التفاصيل بالتركيب.
وقد بين بقائها جميعا وانطباقها على صلاح الانسان بمرور الدهور وكرورها بقوله تعالى: (وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) حم سجدة - 42.
وقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر - 9، فهو كتاب لا يحكم عليه حاكم النسخ ولا يقضي عليه قانون التحول والتكامل.
فان قلت: قد استقرت أنظار الباحثين عن الاجتماع وعلماء التقنين اليوم على
وجوب تحول القوانين الوضعية الاجتماعية بتحول الاجتماع واختلافها باختلاف الازمنة والاوقات وتقدم المدنية والحضارة.
قلت: سيجئ البحث عن هذا الشأن والجواب عن الشبهة في تفسير قوله تعالى (كان الناس امة واحدة.
الآية) البقرة - 213.
وجملة القول وملخصه أن القرآن يبني أساس التشريع على التوحيد الفطري والاخلاق الفاضلة الغريزية ويدعي ان التشريع يجب أن ينمو من بذر التكوين والوجود.
وهؤلاء الباحثون يبنون نظرهم على تحول الاجتماع مع الغاء المعنويات من معارف التوحيد وفضائل الاخلاق، فكلمتهم جامدة على سير التكامل الاجتماعي المادي العادم لفضيلة الروح، وكلمة الله هي العليا.
(التحدي بمن أنزل عليه القرآن) وقد تحدى بالنبي الامي الذي جاء بالقرآن المعجز في لفظه ومعناه، ولم يتعلم عند معلم ولم يترب عند مرب بقوله تعالى: (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدريكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون) يونس - 16، فقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم) بينهم وهو أحدهم لا يتسامى في فضل ولا ينطق بعلم حتى لم يأت بشئ من شعر أو نثر نحوا من أربعين سنة وهو ثلثا عمره لا يحوز تقدما ولا يرد عظيمة من عظائم المعالي ثم أتى بما اتى به دفعة فأتى بما عجزت عنه فحولهم وكلت دونه ألسنة بلغائم، ثم بثه في أقطار الارض فلم يجترئ على معارضته معارض من عالم أو فاضل أو ذي لب وفطانة.
وغاية ما أخذوه عليه: انه سافر إلى الشام للتجارة فتعلم هذه القصص ممن هناك من الرهبان ولم يكن أسفاره إلى الشام إلا مع عمه أبي طالب قبل بلوغه وإلا مع ميسرة مولى خديجة وسنه يومئذ خمسة وعشرون وهو مع من يلازمه في ليله ونهاره، ولو فرض محالا ذلك فما هذه المعارف والعلوم؟ ومن أين هذه الحكم والحقائق؟ وممن هذه البلاغة في البيان الذي خضعت له الرقاب وكلت دونه الالسن الفصاح؟ وما أخذوه عليه انه كان يقف على قين بمكة من أهل الروم كان يعمل السيوف
ويبيعها فأنزل الله سبحانه: (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) النحل - 103.
وما قالوا عليه أنه يتعلم بعض ما يتعلم من سلمان الفارسي وهو من علماء الفرس عالم بالمذاهب والاديان مع ان سلمان إنما آمن به في المدينة وقد نزل أكثر القرآن بمكة وفيها من جميع المعارف الكلية والقصص ما نزلت منها بمدينة بل أزيد، فما الذي زاده ايمان سلمان وصحابته؟ على أن من قرأ العهدين وتأمل ما فيهما ثم رجع إلى ما قصه القرآن من تواريخ الانبياء السالفين واممهم رأى أن التاريخ غير التاريخ والقصة غير القصة ففيهما عثرات وخطايا لانبياء الله الصالحين تنبو الفطرة وتتنفر من أن تنسبها إلى المتعارف من صلحاء الناس وعقلائهم، والقرآن يبرئهم منها وفيها أمور أخرى لا يتعلق بها معرفة حقيقية ولا فضيلة خلقية ولم يذكر القرآن منها إلا ما ينفع الناس في معارفهم وأخلاقهم وترك الباقي وهو الاكثر.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, يتبع ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,