بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
..... نتابع على بركة الله تفسير سورة البقره
ولو فعل شيئا منه باحث من بحاثه كان ذلك منه شططا من القول، نظير ما لو أراد الباحث في علم اللغة أن يستظهر من علمه حكم الفلك نفيا أو إثباتا، ولنرجع إلى بقية الآيات.
وقوله تعالى: (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة.
سوق الآيات من أول السورة وإن كانت لبيان حال المتقين والكافرين والمنافقين (الطوائف الثلث) جميعا لكنه سبحانه حيث جمعهم طرا في قوله: يا أيها الناس أعبدوا ربكم، ودعاهم إلى عبادته تقسموا لا محالة إلى مؤمن وغيره فإن هذه الدعوة لا تحتمل من حيث إجابتها وعدمها غير القسمين: المؤمن والكافر وأما المنافق فإنما يتحقق بضم الظاهر إلى الباطن، واللسان إلى القلب فكان هناك من جمع بين اللسان والقلب إيمانا أو كفرا ومن أختلف لسانه وقلبه وهو المنافق، فلما ذكرنا (لعله) أسقط المنافقون من الذكر، وخص بالمؤمنين والكافرين ووضع الايمان مكان التقوى.
ثم إن الوقود ما توقد به النار وقد نصت الآية على أنه نفس الانسان، فالانسان وقود وموقود عليه، كما في قوله تعالى ايضا: (ثم في النار يسجرون) المؤمن - 72.
وقوله تعالى: (نار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة) اللمزة - 7، فالانسان معذب بنار توقده نفسه، وهذه الجملة نظيرة قوله تعالى: (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها) البقرة - 25، ظاهرة في أنه ليس للانسان هناك إلا ما هيأه من هيهنا، كما عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (كما تعيشون تموتون وكما تموتون تبعثون) الحديث.
وإن كان بين الفريقين فرق من حيث أن لاهل الجنة مزيدا عند ربهم.
قال تعالى: (لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد) ق - 35.
والمراد بالحجارة في قوله: (وقودها الناس والحجارة الاصنام التي كانوا يعبدونها، ويشهد به قوله تعالى: (إنكم وما تعبدو من دون الله حصب جهنم الآية) الانبياء - 98، والحصب هو الوقود.
وقوله تعالى: لهم فيها أزواج مطهرة، قرينة الازواج تدل على أن المراد بالطهارة هي الطهارة من أنواع الاقذار والمكاره التي تمنع من تمام الالتيام والالفة والانس من الاقذار والمكاره الخلقية والخلقية.
(بحث روائي) روى الصدوق، قال: سئل الصادق (عليه السلام) عن الاية فقال: الازواج المطهرة اللاتي لا يحضن ولا يحدثن.
أقول: وفي بعض الروايات تعميم الطهارة للبراءة عن جميع العيوب والمكاره.
إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم و أما الذين كفروا فيقولون ما ذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين - 26.
الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الارض أؤلئك هم الخاسرون 27.
(بيان) قوله تعالى: إن الله لا يستحيي أن يضرب، البعوضة الحيوان المعروف وهو من أصغر الحيوانات المحسوسة وهذه الآية والتي بعدها نظيرة ما في سورة الرعد (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمي إنما يتذكر أولوا الالباب.
الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق.
والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل) الرعد - 19، 20، 21.
وكيف كان فالآية تشهد على أن من الضلال والعمى ما يلحق الانسان عقيب أعماله السيئة غير الضلال والعمى الذي له في نفسه ومن نفسه حيث يقول تعالى: وما يضل به إلا الفاسقين، فقد جعل إضلاله في تلو الفسق لا متقدما عليه هذا.
ثم إن الهداية والاضلال كلمتان جامعتان لجميع أنواع الكرامة والخذلان التي ترد منه تعالى على عباده السعداء والاشقياء، فإن الله تعالى وصف في كلامه حال السعداء من عبادة بأنه يحييهم حيوة طيبة، ويؤيدهم بروح الايمان، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويجعل لهم نورا يمشون به، وهو وليهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وهو معهم يستجيب لهم إذا دعوه ويذكرهم إذا ذكروه، والملائكة تنزل عليهم بالبشرى والسلام إلى غير ذلك.
ووصف حال الاشقياء من عباده بأنه يضلهم ويخرجهم من النور إلى الظلمات ويختم على قلوبهم، وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، ويطمس وجوههم على أدبارهم ويجعل في أعناقهم أغلالا فهي إلى الاقان فهم مقمحون، ويجعل من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فيغشيهم فهم لا يبصرون، ويقيض لهم شياطين قرناء يضلونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون، ويزينون لهم أعمالهم، وهم أوليائهم، ويستدرجهم الله من حيث لا يشعرون، ويملي لهم أن كيده متين، ويمكربهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون.
فهذه نبذة مما ذكره سبحانه من حال الفريقين وظاهرها أن للانسان في الدنيا وراء الحيوة التي يعيش بها فيها حيوة اخرى سعيدة أو شقية ذات اصول وأعراق يعيش بها فيها، وسيطلع ويقف عليها عند إنقطاع الاسباب وإرتفاع الحجاب، ويظهر
من كلامه تعالى أيضا أن للانسان حيوة اخرى سابقة على حيوته الدنيا يحذوها فيها كما يحذو حذو حيوته الدنيا فيما يتلوها.
وبعبارة اخرى إن للانسان حيوة قبل هذه الحيوة الدنيا وحيوة بعدها، والحيوة الثالثة تتبع حكم الثانية والثانية حكم الاولى، فالانسان وهو في الدنيا واقع بين حيوتين: سابقة ولاحقة، فهذا هو الذي يقضي به ظاهر القرآن.
لكن الجمهور من المفسرين حملوا القسم الاول من الايات وهي الواصفة للحيوة السابقة على ضرب من لسان الحال وإقتضاء الاستعداد، والقسم الثاني منها وهي الواصفة للحيوة اللاحقة على ضروب المجاز والاستعارة هذا، إلا أن ظواهر كثير من الآيات يدفع ذلك.
أما القسم الاول وهي آيات الذر والميثاق فستأتي في مواردها، وأما القسم الثاني فكثير من الآيات دالة على أن الجزاء يوم الجزاء بنفس الاعمال وعينها كقوله تعالى: (لا تعتذروا اليوم أنما تجزون ما كنتم تعملون) التحريم - 7، وقوله تعالى: (ثم توفى كل نفس ما كسبت الآية) البقرة - 281، وقوله تعالى: (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة) البقرة - 23.
وقوله تعالى: فليدع ناديه سندع الزبانية) العلق - 18، وقوله تعالى: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء) آل عمران - 28، وقوله تعالى: (ما يأكلون في بطونهم إلا النار) البقرة - 179، وقوله: (إنما يأكلون في بطونهم نارا) النساء - 10، إلى غير ذلك من الآيات.
ولعمري لو لم يكن في كتاب الله تعالى - إلا قوله: (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد) ق - 22، لكان فيه كفاية إذ الغفلة لا تكون إلا عن معلوم حاضر، وكشف الغطاء لا يستقيم إلا عن مغطى موجود فلو لم يكن ما يشاهده الانسان يوم القيامة موجودا حاضرا من قبل لما كان يصح أن يقال للانسان أن هذه أمور كانت مغفولة لك، مستورة عنك فهي اليوم مكشوف عنها الغطاء، مزالة منها الغفلة.
ولعمري أنك لو سئلت نفسك أن تهديك إلى بيان يفي بهذه المعاني حقيقة من غير مجاز لما أجابتك إلا بنفس هذه البيانات والاوصاف التي نزل بها القرآن الكريم.
يتبع,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,و