بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى اله الطاهرين
نتابع بعون الله تفسير سورة البقره
قوله تعالى: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم) محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) - 7.
وقوله تعالى: والله لا يهدي القوم الظالمين) الصف - 7.
وقوله تعالى: (والله لا يهدي القوم الفاسقين) الصف - 5.
إلى غير ذلك من الآيات.
والامر في ضلال الكفار والمنافقين كما في المتقين على ما سيأتي انشاء الله.
وفي الآيات اشارة إلى حيوة اخرى للانسان كامنة مستبطنة تحت هذه الحيوة الدنيوية، وهي الحيوة التي بها يعيش الانسان في هذه الدار و بعد الموت وحين البعث، قال تعالى: (أو من كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) الانعام - 123 وسيأتي الكلام فيه انشاء الله.
وقوله سبحانه: يؤمنون الايمان، تمكن الاعتقاد في القلب ماخوذ من الامن كأن المؤمن يعطي لما امن به الامن من الريب والشك وهو آفة الاعتقاد، والايمان كما مر معنى ذو مراتب، إذ الاذعان ربما يتعلق بالشئ نفسه فيترتب عليه اثره فقط، وربما يشتد بعض الاشتداد فيتعلق ببعض لوازمه، وربما يتعلق بجميع لوازمه فيستنتج منه ان للمؤمنين طبقات على حسب طبقات الايمان.
وقوله سبحانه: بالغيب، الغيب خلاف الشهادة وينطبق على ما لا يقع عليه الحس، وهو الله سبحانه وآياته الكبرى الغائبة عن حواسنا، ومنها الوحي هو
الذي اشير إليه بقوله: (والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك) فالمراد بالايمان بالغيب في مقابل الايمان بالوحي والايقان بالآخرة، هو الايمان بالله تعالى ليتم بذلك الايمان بالاصول الثلاثة للدين، والقرآن يؤكد القول على عدم القصر على الحس فقط ويحرص على اتباع سليم العقل وخالص اللب.
وقوله سبحانه: وبالاخرة هم يوقنون، العدول في خصوص الاذعان بالاخرة عن الايمان إلى الايقان، كأنه للاشارة إلى أن التقوى لا تتم إلا مع اليقين بالاخرة الذي لا يجامع نسيانها، دون الايمان المجرد، فان الانسان ربما يؤمن بشئ ويذهل عن بعض لوازمه فيأتي بما ينافيه، لكنه إذا كان على علم وذكر من يوم يحاسب فيه على الخطير واليسير من اعماله لا يقتحم معه الموبقات ولا يحوم حوم محارم الله سبحانه البتة قال تعالى: (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) ص - 26.
فبين تعالى: ان الضلال عن سبيل الله انما هو بنسيان يوم الحساب، فذكره واليقين به ينتج التقوى.
وقوله تعالى: اؤلئك على هدى من ربهم، الهداية كلها من الله سبحانه، لا ينسب إلى غيره البتة الا على نحو من المجاز كما سيأتي ان شاء الله، ولما وصفهم الله سبحانه بالهداية وقد قال في نعتها: (فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره): لانعام - 125، وشرح الصدر سعته وهذا الشرح، يدفع عنه كل ضيق وشح، وقد قال تعالى: (ومن يوق شح نفسه فألئك هم المفلحون) الحشر - 9، عقب سبحانه ههنا أيضا قوله: اؤلئك على هدى من ربهم، بقوله: واولئك هم المفلحون الآية.
(بحث روائي) في المعاني عن الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى: الذين يؤمنون بالغيب، قال: من آمن بقيام القائم (عليه السلام) انه حق.
اقول: وهذا المعنى مروي في غير هذه الرواية وهو من الجرى.
وفي تفسير العياشي عن الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى: (ومما رزقناهم ينفقون) قال: ومما علمنا هم يبثون.
وفي المعاني عنه (عليه السلام): في الآية: ومما علمناهم يبثون، وما علمناهم من القرآن يتلون.
اقول: والروايتان مبنيتان على حمل الانفاق على الاعم من انفاق المال كما ذكرناه.
(بحث فلسفي) هل يجوز التعويل على غير الادراكات الحسية من المعاني العقلية؟ هذه المسألة من معارك الآراء بين المتأخرين من الغربيين، وان كان المعظم من القدماو حكماء الاسلام على جواز التعويل على الحس والعقل معا، بل ذكروا ان البرهان العلمي لا يشمل المحسوس من حيث انه محسوس، لكن الغربيين مع ذلك اختلفوا في ذلك، والمعظم منهم وخاصة من علماء الطبيعة على عدم الاعتماد على غير الحس، وقد احتجوا على ذلك بان العقليات المحضة يكثر وقوع الخطأ والغلط فيها مع عدم وجود ما يميز به الصواب من الخطأ وهو الحس والتجربة المماسان للجزئيات بخلاف الادراكات الحسية فانا إذا أدركنا شيئا بواحد من الحواس اتبعنا ذلك بالتجربة بتكرار الامثال، ولا نزال نكرر حتى نستثبت الخاصة المطلوبة في الخارج ثم لا يقع فيه شك بعد ذلك، والحجة باطلة مدخولة.
اولا: بأن جميع المقدمات المأخوذة فيها عقلية غير حسية فهي حجة على بطلان الاعتماد على المقدمات العقلية بمقدمات عقلية فيلزم من صحة الحجة فسادها.
وثانيا: بأن الغلط في الحواس لا يقصر عددا من الخطأ والغلط في العقليات، كما يرشد إليه الابحاث التي اوردوها في المبصرات وسائر المحسوسات، فلو كان مجرد وقوع الخطأ في باب موجبا لسده وسقوط الاعتماد عليه لكان سد باب الحس اوجب والزم.
وثالثا: ان التميز بين الخطأ والصواب مما لا بد منه في جميع المدر كات غير ان التجربة وهو تكرر الحس ليست آلة لذلك التميز بل القضية التجربية تصير احدى المقدمات من قياس يحتج به على المطلوب، فانا إذا ادركنا بالحس خاصة من الخواص ثم اتبعناه بالتجربة بتكرار الامثال تحصل لنا في الحقيقة قياس على هذا الشكل: ان هذه الخاصة دائمي الوجود أو اكثري الوجود لهذا الموضوع، ولو كانت خاصة لغير هذا الموضوع لم يكن بدائمي أو اكثري، لكنه دائمي أو اكثري وهذا القياس كما ترى يشتمل على مقدمات عقلية غير حسية ولا تجريبية.
ورابعا: هب ان جميع العلوم الحسية مؤيدة بالتجربة في باب العمل لكن من الواضح ان نفس التجربة ليس ثبوتها بتجربة اخرى وهكذا إلى غير النهاية بل العلم بصحته من طريق غير طريق الحس، فالاعتماد على الحس والتجربة اعتماد على العلم العقلي اضطرارا.
وخامسا: ان الحس لا ينال غير الجزئي المتغير والعلوم لا تستنتج ولا تستعمل غير القضايا الكلية وهي غير محسوسة ولا مجربة، فان التشريح مثلا انما ينال من الانسان مثلا افرادا معدودين قليلين أو كثيرين، يعطي للحس فيها مشاهدة ان لهذا الانسان قلبا وكبدا مثلا، ويحصل من تكرارها عدد من المشاهدة يقل أو يكثر وذلك غير الحكم الكلي في قولنا: كل انسان فله قلب أو كبد، فلو اقتصرنا في الاعتماد والتعويل على ما يستفاد من الحس والتجربة فحسب من غير ركون على العقليات من رأس لم يتم لنا ادراك كلي ولا فكر نظري ولا بحث علمي، فكما يمكن التعويل أو يلزم على الحس في مورد يخص به كذلك التعويل فيما يخص بالقوة العقلية، ومرادنا بالعقل هو المبدأ لهذه التصديقات الكلية والمدرك لهذه الاحكام العامة، ولا ريب ان الانسان معه شئ شأنه هذا الشأن، وكيف يتصور ان يوجد ويحصل بالصنع والتكوين شئ شأنه الخطأ في فعله رأسا؟ أو يمكن ان يخطئ في فعله الذي خصه به التكوين؟ والتكوين انما يخص موجودا من الموجودات بفعل من الافعال بعد تثبت الرابطة الخارجية بينهما، وكيف يثبت رابطة بين موجود وما ليس بموجود أي خطأ وغلط؟ واما وقوع الخطأ في العلوم أو الحواس فلبيان حقيقة الامر فيه محل آخر ينبغي الرجوع إليه والله الهادي.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, يتبع ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,