بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى اله الطاهرين
نتابع الموضوع على بركة الله ونسال الله التوفيق والقبول
والوجه الخامس من الكفر كفر البرائة وذلك قول الله عز وجل يحكي قول ابراهيم: وكفرنا بكم وبدأ بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ابدا حتى تؤمنوا بالله وحده، يعني تبرأنا منكم، وقال: (يذكر ابليس وتبريه من أوليائه من الانس يوم القيامة) إني كفرت بما أشركتمون من قبل، وقال: انما اتخذتم من دون الله اوثانا مودة بينكم في الحيوة الدنيا ثم يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا، يعني يتبرأ بعضكم من بعض.
اقول: وهي في بيان قبول الكفر الشدة والضعف كما مر.
ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين - 8.
يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون - 9.
في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون - 10.
وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون - 11.
ألا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون - 12.
وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء لكن لا يعلمون - 13.
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزون - 14.
الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون - 15.
أؤلئك
الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين - 16.
مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما اضائت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون - 17.
صم بكم عمي فهم لا يرجعون - 18.
أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين - 19.
يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شئ قدير - 20.
(بيان) قوله تعالى: ومن الناس من يقول إلى آخر الآيات، الخدعة نوع من المكر، والشيطان هو الشرير ولذلك سمي إبليس شيطانا.
وفي الآيات بيان حال المنافقين، وسيجئ إن شاء الله تفصيل القول فيهم في سورة المنافقين وغيرها.
وقوله تعالى: مثلهم كمثل الذي استوقد نارا (الخ) مثل يمثل به حالهم، انهم كالذي وقع في ظلمة عمياء لا يتميز فيها خير من شر ولا نافع من ضار فتسبب لرفعها بسبب من أسباب الاستضائة كنار يوقدها فيبصر بها ما حولها فلما توقدت وأضائت ما حولها أخمدها الله بسبب من الاسباب كريح أو مطر أو نحوهما فبقى فيما كان عليه
من الظلمة وتورط بين ظلمتين: ظلمة كان فيها وظلمة الحيرة وبطلان السبب.
وهذه حال المنافق، يظهر الايمان فيستفيد بعض فوائد الدين باشتراكه مع المؤمنين في مواريثهم ومناكحهم وغيرهما حتى إذا حان حين الموت وهو الحين الذي فيه تمام الاستفادة من الايمان ذهب الله بنوره وأبطل ما عمله وتركه في ظلمة لا يدرك فيها شيئا ويقع بين الظلمة الاصلية وما أوجده من الظلمة بفعاله.
وقوله تعالى: أو كصيب من السماء الخ، الصيب هو المطر الغزير، والبرق معروف، والرعد هو الصوت الحادث من السحاب عند الابراق، والصاعقة هي النازلة من البروق.
وهذا مثل ثان يمثل به حال المنافقين في إظهارهم الايمان، انهم كالذي أخذه صيب السماء ومعه ظلمة تسلب عنه الابصار والتمييز، فالصيب يضطره إلى الفرار والتخلص، والظلمة تمنعه ذلك، والمهولات من الرعد والصاعقة محيطة به فلا يجد مناصا من أن يستفيد بالبرق وضوئه وهو غير دائم ولا باق متصل كلما أضاء له مشى وإذا أظلم عليه قام.
وهذه حال المنافق فهو لا يحب الايمان ولا يجد بدا من اظهاره، ولعدم المواطأة بين قلبه ولسانه لا يستضئ له طريقه تمام الاستضائة، فلا يزال يخبط خبطا بعد خبط ويعثر عثرة بعد عثرة فيمشي قليلا ويقف قليلا ويفضحه الله بذلك ولو شاء الله لذهب بسمعه وبصره فيفتضح من اول يوم.
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون - 21.
الذى جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون - 22.
وإن كنتم في ريب مما نزلنا
على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين - 23.
فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس الحجارة أعدت للكافرين - 24.
وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الانهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها ازواج مطهرة وهم فيها خالدون - 25.
(بيان) قوله تعالى: يا أيها الناس اعبدوا (الخ)، لما بين سبحانه: حال الفرق الثلاث: المتقين والكافرين، والمنافقين، وان المتقين على هدى من ربهم والقرآن هدى لهم، وان الكافرين مختوم على قلوبهم، وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة وأن المنافقين مرضى وزادهم الله مرضا وهم صم بكم عمى (وذلك في تمام تسع عشرة آية) فرع تعالى على ذلك أن دعى الناس إلى عبادته وأن يلتحقوا بالمتقين دون الكافرين والمنافقين بهذه الآيات الخمس إلى قوله: خالدون.
وهذا السياق يعطي كون قوله: لعلكم تتقون متعلقا بقوله: اعبدوا، دون قوله خلقكم وان كان المعنى صحيحا على كلا التقديرين.
وقوله تعالى: فلا تجعلوا لله اندادا وانتم تعلمون، الانداد جمع ند كمثل، وزنا ومعنى وعدم تقييد قوله تعالى: وانتم تعلمون بقيد خاص وجعله حالا من قوله تعالى: فلا تجعلوا، يفيد التأكيد البالغ في النهي بأن الانسان وله علم ما كيفما كان لا يجوز له أن يتخذ لله سبحانه أندادا والحال انه سبحانه هو الذي خلقهم والذين من قبلهم ثم نظم النظام الكوني لرزقهم وبقائهم.
وقوله تعالى: فأتوا بسورة من مثله أمر تعجيزي لابانة إعجاز القرآن، وأنه كتاب منزل من عند الله لا ريب فيه، إعجازا باقيا بمر الدهور وتوالي القرون،
وقد تكرر في كلامه تعالى هذا التعجيز كقوله تعالى: (قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) الاسراء - 88، وقوله تعالى: (أم يقولون افتريه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) هود - 13.
وعلى هذا فالضمير في مثله عائد إلى قوله تعالى: مما نزلنا، ويكون تعجيزا بالقرآن نفسه وبداعة أسلوبه وبيانه.
ويمكن أن يكون الضمير راجعا إلى قوله: عبدنا، فيكون تعجيزا بالقرآن من حيث ان الذي جاء به رجل امي لم يتعلم من معلم ولم يتلق شيئا من هذه المعارف الغالية العالية والبيانات البديعة المتقنة من أحد من الناس فيكون الآية في مساق قوله تعالى: (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدريكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون) يونس - 16، وقد ورد التفسيران معا في بعض الاخبار.
واعلم: ان هذه الآية كنظائرها تعطي إعجاز أقصر سورة من القرآن كسورة الكوثر وسورة العصر مثلا، وما ربما يحتمل من رجوع ضمير مثله إلى نفس السورة كسورة البقرة أو سورة يونس مثلا يأباه الفهم المستأنس بأساليب الكلام إذ من يرمي القرآن بأنه افتراء على الله تعالى إنما يرميه جمعا ولا يخصص قوله ذاك بسورة دون سورة، فلا معنى لرده باتحدي بسورة البقرة أو بسورة يونس لرجوع المعنى حينئذ إلى مثل قولنا: وان تكنتم في من سورة الكوثر أو الاخلاص مثلا فأتوا بسورة مثل سورة يونس وهم بين الاستهجان هذا.
.,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, يتبع ,,,,,,,,,,,,,,,,,