بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين
على بركة الله نتابع الموضوع.......
يثبت في عالم الطبيعة نظام التحول والتكامل، فكل جزء من أجزاء عالم الطبيعة واقع في مسير الحركة متوجه إلى الكمال، فما من شئ إلا وهو في الآن الثاني من وجوده غيره وهو في الآن الآول من وجوده، ولا شك ان الفكر والادراك من خواص الدماغ فهي خاصة مادية لمركب مادي، فهي لا محالة واقعة تحت قانون التحول والتكامل، فهذه الادراكات (ومنها الادراك المسمى بالعلم) واقعة في التغير والتحول فلا معنى لوجود علم ثابت باق وانما هو نسبي، فبعض التصديقات أدوم بقاء وأطول عمرا أو أخفى نقيضا ونقضا من بعض آخر وهو المسمى بالعلم فيما وجد.
والجواب عنه: أن الحجة مبنية على كون العلم ماديا غير مجرد في وجوده وليس ذلك بينا ولا مبينا بل الحق ان العلم ليس بمادي البتة، وذلك لعدم إنطباق صفات المادة وخواصها عليه.
(1) فان الماديات مشتركة في قبول الانقسام وليس يقبل العلم بما أنه علم الانقسام البتة.
(2) والماديات مكانية زمانية والعلم بما أنه علم لا يقبل مكانا ولا زمانا، والدليل عليه إمكان تعقل الحادثة الجزئية الواقعة في مكان معين وزمان معين في كل مكان وكل زمان مع حفظ العينية.
(3) والماديات بأجمعها واقعة تحت سيطرة الحركة العمومية فالتغير خاصة عمومية فيها مع أن العلم بما أنه علم لا يتغير، فان حيثية العلم بالذات تنافي حيثية التغير والتبدل وهو ظاهر عند المتأمل.
(4) ولو كان العلم مما يتغير بحسب ذاته كالماديات لم يمكن تعقل شئ واحد ولا حادثة واحدة فوقتين مختلفين معا ولا تذكر شئ أو حادثة سابقة في زمان لاحق، فان الشئ المتغير وهو في الآن الثاني غيره في الآن الآول، فهذه الوجوه ونظائرها دالة على ان العلم بما أنه علم ليس بمادي البتة، وأما ما يحصل في العضو الحساس أو الدماغ من تحقق عمل طبيعي فليس بحثنا فيه أصلا ولا دليل على أنه هو العلم، ومجرد تحقق عمل عند تحقق أمر من الامور لا يدل على كونهما أمرا واحدا، والزائد على هذا المقدار من البحث ينبغي أن يطلب من محل آخر.
إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون - 6.
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم - 7.
(بيان) قوله تعالى: إن الذين كفروا، هؤلاء قوم ثبتوا على الكفر وتمكن الجحود من قلوبهم، ويدل عليه وصف حالهم بمساواة الانذار وعدمه فيهم، ولا يبعد أن يكون المراد من هؤلاء الذين كفروا هم الكفار من صناديد قريش وكبراء مكة الذين عاندوا ولجوا في أمر الدين ولم يألوا جهدا في ذلك ولم يؤمنوا حتى أفناهم الله عن آخرهم في بدر وغيره، ويؤيده أن هذا التعبير وهو قوله: سواء عليهم، أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون، لا يمكن استطراده في حق جميع الكفار وإلا انسد باب الهداية القرآن ينادي على خلافه، وايضا هذا التعبير إنما وقع في سورة يس (وهي مكية) وفي هذه السورة (وهي سورة البقرة أول سورة نزلت في المدينة) نزلت ولم تقع غزوة بدر بعد، فالأشبه أن يكون المراد من الذين كفروا، هيهنا وفي ساير الموارد من كلامه تعالى: كفار مكة في اول البعثة إلا أن تقوم قرينة على خلافه، نظير ما سيأتي ان المراد من قوله تعالى: الذين آمنوا، فيما أطلق في القرآن من غير قرينة هم السابقون الاولون من المسلمين، خصوا بهذا الخطاب تشريفا.
وقوله تعالى: ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم (الخ) يشعر تغيير السياق: (حيث نسب الختم إلى نفسه تعالى والغشاوة إليهم انفسهم) بأن فيهم حجابا دون الحق في أنفسهم وحجابا من الله تعالى عقيب كفرهم وفسوقهم، فأعمالهم متوسطة بين حجا بين: من ذاتهم ومن الله تعالى، وسيأتي بعض ما يتعلق بالمقام في قوله تعالى: (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا).
واعلم ان الكفر كالايمان وصف قابل للشدة والضعف فله مراتب مختلفة الآثار كالايمان.
(بحث روائي) في الكافي عن الزبيري عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عز وجل، قال: الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه، فمنها كفر الجحود، والجحود على وجهين، والكفر بترك ما أمر الله، وكفر البرائة، وكفر النعم.
فأما كفر الجحود فهو الجحود بالربوبية وهو قول من يقول: لا رب ولا جنة ولا نار، وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم الدهرية وهم الذين يقولون وما يهلكنا إلا الدهر وهو دين وضعوه لانفسهم بالاستحسان منهم ولا تحقيق لشئ مما يقولون: قال عز وجل: ان هم إلا يظنون، أن ذلك كما يقولون، وقال: ان الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون، يعني بتوحيد الله، فهذا أحد وجوه الكفر.
وأما الوجه الآخر فهو الجحود على معرفة، وهو ان يجحد الجاحد وهو يعلم أنه حق قد استقر عنده، وقد قال الله عز وجل: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا)، وقال الله عز وجل: وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين، فهذا تفسير وجهى الجحود، والوجه الثالث من الكفر كفر النعم وذلك قوله سبحانه يحكي قول سليمان: هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن يكفر فإن الله غني كريم، وقال: لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد، وقال: فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون.
والوجه الرابع من الكفر ترك ما أمر الله عز وجل به، وهو قول عز وجل: (وإذا أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دمائكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وان يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم اخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) فكفرهم بترك ما أمر الله عز وجل به ونسبهم إلى الايمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده فقال: فما جزاء من يفعل
ذلك منكم إلا خزى في الحيوة الدنيا ويوم القيمة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون
...,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, يتبع ,,,,,,,,,,,,,,,